بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن تحكيم الشريعة الإسلامية وتطبيق أحكامها أمر واجب، وفرض لازم، وحكم قاطع ثابت بالأدلة الصحيحة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولا خيار لمسلم ولا مسلمة ولا لمجتمع من المجتمعات في ذلك، ومن اختار شرعًا غير شرع الله أو بدل وعطل فقد أوقع نفسه في غضب الله ومقته وسخطه فضلاً عما يلحقه في الدنيا من شقاء وعنت ومشقة وحرج، والنصوص كثيرة في ذلك مما يبين أن تحكيم الشريعة الإسلامية من لوازم الإيمان ومقتضى الإسلام، قال تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65)) (النساء).   









ومن خصائص أحكام هذه الشريعة أنها كلٌّ متحد مترابط متناسق، يؤخذ جملةً وتفصيلاً دون انتقاء وتشهٍ، ولا يمكن أن تستقيم معاملات الناس وفق الشريعة دون عقيدة صحيحة وأخلاق قويمة، وعبادة سليمة، وقد وضعت هذه الأحكام منسجمة مع بعضها الآخر، مكملة له، فالفصل بين أحكامها بتر لها وإخراج لها عن مسارها الصحيح، كما يقول الشيخ شلتوت: "العقيدة في الوضع الإسلامي هي الأصل الذي تبنى عليه الشريعة، والشريعة أثر تستتبعه العقيدة، ومن ثمّ فلا وجود للشريعة في الإسلام إلا بوجود العقيدة، ولا ازدهار للشريعة إلا في ظل العقيدة، ذلك أن الشريعة بدون العقيدة علو ليس له أساس، فهي لا تستند إلى تلك القوة المعنوية التي توحي باحترام الشريعة ومراعاة قوانينها، والعمل بموجبها دون حاجة إلى قوة من خارج النفس".
وفي مقابل هذه الأحكام الجلية هناك واقع مرير للأمة في علاقتها بالشريعة الإسلامية ليس وليد اليوم، وإنما ابتدأ منذ أكثر من قرنين، واشتد بأسه مع سقوط الخلافة الإسلامية على أيدي العلمانيين، الذي حرصوا من خلال تربعهم على عرش كثير من الحكومات العربية والإسلامية أن يحدثوا خللاً في البنية الفكرية للشعوب الإسلامية، لتعيش في فصام نكد بين ما تؤمن به وتعتقده، وما تطبقه في حياتها من مناهج وأنظمة، فبينما تعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر الحكيم العليم اللطيف الخبير، وتؤمن بالقرآن وما فيه من آيات وأحكام لكنها في كثير من مجالات حياتها تخالف ما تؤمن به وما تعتقده إن لم يتزلزل إيمانها الكامل ببعض الأحكام حيث لا تعدم نفرًا من المسلمين يتكلمون عن الربا وكأنه المنقذ للاقتصاد، ويستبشع تطبيق الحدود، ولا يجد غضاضة في التحاكم إلى القوانين الوضعية، بل ويعتبرها هي المرجعية والحضارة، وزاد من تجذر هذا الفصام أن الدول التي تعلن تطبيقها للشريعة الإسلامية لم تقم بالتطبيق الكامل بحيث تقدم نموذجًا مغريًا يدفع حتى ولو لمحاكاتها إنما للأسف شوهت الشريعة الإسلامية بتطبيقها الخاطئ.  



في ظل هذا الواقع بدت مسألة من المسائل المهمة التي تواجه الحركات الإسلامية الصاعدة والتي تتبنى الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل، فماذا عساها أن تفعل أمام هذا الواقع المر، فهل تقوم بفرض الشريعة الإسلامية بالكامل من خلال القوانين التي تصدرها المجالس البرلمانية التي يشكل الإسلاميون فيها الأغلبية، وتعمل الحكومة على فرض الالتزام بها بقوة القانون وإجبار السلطة التنفيذية؟ أم يطبق ما تقدر عليه الدولة حسب ظروفها وإمكاناتها في الوقت الذي تعمل فيه على إزالة العوائق أمام الأحكام التي يتعذر عليها تطبيقه في الحال؟  



إزاء هذا الجدل برز موضوع "التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية" فهل هناك تدرج في التطبيق أم أن التدرج قد انتهى بكمال الشريعة وتمام نزولها وانقطاع الوحي، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون التصرف مع هذا الواقع؟  
نبين أولا معنى التدرج، وبيان صوره وأشكاله، ثم بيان كيفية التعامل مع هذا الواقع من منطلق قواعد الشريعة وأصولها.  
معنى التدرج:
التدرج، تفعل من "درج" التدرج في اللغة: من دَرَجَ من باب دخل، ودرج الشيء يدرج درجًا ودَرَجانًا أي مشى مشيًا ضعيفًا، ودنا، ومضى لسبيله، ودرجه إلى كذا واستدرجه بمعنى: أدناه منه على التدريج فتدرّج، واستدرجه: رقاه من درجة إلى درجة، وأدناه على التدريج فتدرّج هو، كدرَّجه إلى كذا تدريجًا: عوده إياه كأنما رقاه منزلة بعد أخرى، والتدرج أخذ الشيء قليلاً قليلاً.  
ومن ثم يمكن القول بأن التدرج: أخذ الأمور شيئًا فشيئًا، وقليلاً قليلاً، وعدم تناول الأمور دفعة واحدة. 

المصدر: د..عطية فياض..اخوان اون لاين

اسم السلسلة: مما اعجبنى

Comments (0)